عُمان.. حين يكون الحب أمانة والمواطنة مسؤولية

 

 

 

محمد بن علي البادي

حين تنشد الحناجر نشيد "يا ربنا احفظ لنا جلالة السلطان"، فإنها لا تردد كلمات فقط؛ بل تُجدد عهد الولاء، وتبث من أعماقها نبض الحب لعُمان، ولقائدها الحكيم، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه؛ فهذا النشيد الوطني ليس مجرد رمز للدولة؛ بل هو مرآة صادقة تعكس ما تختزنه قلوب العمانيين من حبٍ لوطنهم، ووفاءٍ لقيادتهم.

لقد خُلق العُماني وفيًّا، جُبل على الإخلاص، وتوارث الولاء جيلًا بعد جيل، كما يُورَّث المجد والكرامة. فمنذ الأزل، وعُمان تعرف الوفاء عرفًا، وترضع أبناءها حب الأرض والقائد مع الحليب. لم يكن الولاء يومًا شعارًا يُرفع؛ بل خُلُقًا يُمارس، وسلوكًا يعيش في تفاصيل الحياة اليومية. في المحن قبل الرخاء، وفي الغياب قبل الحضور، يثبت العُماني أنه لا يساوم على عُمان، ولا ينكص عن حُبّ سلطانها، أيًا كان الزمان وأيًا كانت التحديات.

واليوم، تحت ظل السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله-، يواصل العمانيون المسير بكل ثقة. قائدٌ حكيم، نهل من مدرسة النهضة المباركة، وسار على درب البناة الأوائل، مستندًا إلى رؤية واضحة، وعزيمة لا تلين، وإيمانٍ راسخ بشعبه. فعُمان معه لا تكتفي بالبقاء؛ بل تسعى إلى الارتقاء، كما جاء في النشيد: "فارتقي هام السماء واملئي الكون الضياء".

وهنا تتجلّى الصورةُ أكثر وضوحًا: فالعُماني، مهما بلغت به ظروف الحياة، لا يساوم على وطنه. هو ثابت الولاء، راسخ الانتماء، يحمل عُمان في قلبه حيثما حلّ وارتحل؛ سواء خرج لطلب العلم، أو بحثًا عن لقمة العيش، أو للعلاج والتداوي. يظل يشتاق لترابها، ويحنّ لهوائها، ويذكرها في دعائه وسجوده.

هذا المخزون الهائل من الحب والإخلاص، يجب أن يُقابل من الجهات المعنية في الدولة بما يوازيه من رعاية واحتواء. فكل مواطن مخلص هو طاقة كامنة، يمكن أن يُصبح إنسانًا منتجًا، فاعلًا، صالحًا لكل زمان ومكان، مؤهلًا لكل مهنة وحرفة.

إنَّ المواطن العُماني ليس مجرد رقم في سجلات الدولة؛ بل هو أمانة عظيمة في أعناق المسؤولين، استودعهم الله إياها، وحثّ عليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- في كل محفل ومناسبة، مؤكدًا أن الإنسان هو محور التنمية، وغايتها العليا، وأن رعايته ليست تفضّلًا؛ بل واجب مقدّس يسبق السياسات والخطط.

وحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أعزه الله- هو الأب الحكيم لهذا الشعب الوفي، ولا ينفك يُعبّر عن استشعاره لهموم مواطنيه، وحرصه على أن يكون كل فرد منهم في موضع الكرامة، والعطاء، والمشاركة الفاعلة في مسيرة البناء الوطني.

وعلى إثر ذلك، باتت قضية الباحثين عن عمل حديثَ كل مجلس، وهمًّا مشتركًا في القلوب. ولم تعد محصورة في أروقة النقاشات الرسمية؛ بل تسللت إلى المجالس العامة، والمساجد، وحتى مناسبات الأفراح والأحزان. الكل يتحدث، الكل يوجعُه هذا الواقع؛ فالمعاناة واحدة؛ سواءً كان الباحث عن عمل خريجًا جديدًا أنهى مشواره الأكاديمي بآمالٍ عريضة، أو موظفًا سابقًا قَدّر الله له أن يُسرّح من وظيفته نتيجة ظروف خارجة عن إرادته، أو عن إرادة الجهة التي كانت تشغله.

إنها مأساة حقيقية، لا تقلّ في وجعها عن آلام المرض أو فَقْد الأحبة، لأنها تمسّ كرامة الإنسان، وتطرق أبواب الأمل في قلبه. وما من وطنٍ يرتقي إلا حين يجعل من إنسانه أولويته، ويمنحه الفرصة ليكون شريكًا في البناء، لا عالةً تنتظر المجهول.

لذلك، فإن الجميع اليوم يناشد بالرأفة بهؤلاء الباحثين عن عمل، ويدعو بقلوب صادقة إلى أن تتكاتف الجهود من الجهات الحكومية، والقطاع الخاص؛ بل وحتى أصحاب رؤوس الأموال وأهل الخير. فمن كان له مدخل أو قدرة على فتح باب لهؤلاء الشباب؛ فليُبادر دون تردد، وليمد لهم يد العون والمساندة، سواء عبر توفير فرص التوظيف، أو من خلال دعم أصحاب المبادرات الصغيرة والمشاريع الناشئة، الذين لديهم الاستعداد لتحمّل مسؤولية العمل والإنتاج إن توفرت لهم الأدوات والفرصة.

إنها مسؤولية وطنية وأمانة أخلاقية قبل أن تكون واجبًا وظيفيًا أو اقتصاديًا. فكل يد تُمد لشاب يبحث عن عمل، هي يد تبني لبنة في جدار الوطن، وكل فرصة تُمنح لإنسان قادر، هي خطوة نحو مجتمع أقوى، وأكثر استقرارًا وتلاحمًا.

وكذلك، لا بُد من التذكير بمسؤولية الوزارات والمؤسسات التعليمية، من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية، في الوقوف إلى جانب أولياء الأمور، والتخفيف عن كاهلهم، خصوصًا من لا يستطيعون توفير احتياجات أبنائهم الدراسية؛ فالميدان التربوي لا يجب أن يكون حِكرًا على القادرين؛ بل حاضنًا للجميع دون استثناء.

ومن هنا، نُهيب بتلك المؤسسات أن تُراجع سياساتها ومتطلباتها، وأن تُقلل ما أمكن من الأعباء والشروط التي ترهق الأسر، وأن تُفعّل الشراكات مع الجمعيات الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأفراد المقتدرين، لمدّ يد العون لمن لا حيلة له، ممن يعجز حتى عن تأمين أبسط المستلزمات الدراسية.

العلم حق، وليس امتيازًا، والعدالة التعليمية أساس راسخ لبناء أجيال صالحة، لا تُقصى بسبب ضيق ذات اليد؛ بل تُحتضن وتُمنح الفرصة، لتكون عونًا لوطنها، لا عبئًا عليه.

إنَّ عُمان لم تكن يومًا أرضًا فقط؛ بل كانت دومًا روحًا تنبض في القلوب، وقيادةً ترعى شعبها، وشعبًا وفيًا لا يساوم على ولائه. واليوم، ونحن نُجدد عهد الحب والوفاء لوطننا الغالي، ولقائدنا المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فإننا نرفع أصواتنا لا بالشكوى؛ بل بالأمل، وبالرجاء أن تتضافر الجهود، وتلتفت القلوب والعقول إلى أبناء الوطن الذين ينتظرون فرصة، ويستحقون دعمًا، ليكونوا كما أرادهم وطنهم: منتجين، فاعلين، ومصدر عز وفخر.

اللهم احفظ عُمان وأهلها، ووفق جلالة السلطان في قيادته وسدده في قراراته، وألهم كل مسؤول في هذا الوطن أن يجعل من الأمانة طريقه، ومن الإنصاف منهجه، ومن خدمة الناس غايته، فبذلك تُبنى الأوطان وتُحفظ الأجيال، ويزدهر المستقبل كما نحلم به جميعًا.

عُمان في القلب... وستبقى ما حيينا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة